شبه الجزيرة نت | محلي
في ظل واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي يعيشها اليمن، تولى سالم بن بريك، وزير المالية السابق، مهامه رسمياً رئيساً جديداً لحكومة عدن، خلفاً لأحمد عوض بن مبارك. هذا التغيير يأتي بينما البلاد تغرق في انهيار اقتصادي متسارع، وانهيار شبه كامل للخدمات الأساسية، وسط تساؤلات متزايدة حول الأبعاد السياسية للتعيين ودور محافظة حضرموت في التحولات القادمة.
فشل متكرر في منصب واحد
منذ نقل عمليات البنك المركزي إلى عدن عام 2016، تعاقب على منصب رئيس الوزراء في حكومة عدن عدد من الشخصيات، دون أن ينجح أي منها في وقف التدهور الاقتصادي أو ضمان الحد الأدنى من الاستقرار المالي والخدمي. من خالد بحاح إلى معين عبدالملك، وصولاً إلى بن مبارك، انتهى الجميع إلى دائرة الإخفاق والتغيير السياسي، بينما الواقع المعيشي للمواطن يزداد سوءاً.
بن مبارك، الذي قدم استقالته قبيل صدور قرار إقالته، أشار في رسالة اطلع عليها “بقش” إلى أن غياب الصلاحيات الفعلية وعدم القدرة على تنفيذ إصلاحات ضرورية كانا سببين رئيسيين وراء استقالته، مضيفاً أن الانقسامات داخل السلطة تعرقل العمل الحكومي.
عملة منهارة وخدمات مشلولة
يتسلم بن بريك رئاسة الحكومة في توقيت بالغ الصعوبة. الريال اليمني تجاوز حاجز 2600 مقابل الدولار في عدن، في أعلى مستوى انهيار له على الإطلاق. هذا التدهور المالي انعكس بشكل مباشر على أسعار السلع، لا سيما المستوردة، ما عمّق معاناة اليمنيين ودفع المزيد منهم إلى تحت خط الفقر المدقع.
الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي يؤكد أن ما يحدث “ليس مجرد تذبذب في سعر صرف، بل انهيار تام لمنظومة السياسات النقدية”، مضيفاً أن أي استقرار حقيقي يتطلب تدخلاً دولياً سريعاً، وإعادة ثقة تكاد تكون مفقودة تماماً في العملة المحلية ومؤسسات الدولة الاقتصادية.
ولا يقف التدهور عند حد الاقتصاد، بل يشمل خدمات أساسية كالكهرباء التي تنقطع لساعات طويلة، والمياه، والتعليم، والصحة، التي تعاني من شلل شبه تام، ما فجر احتجاجات متصاعدة في عدن ومدن الجنوب.
رهان على الدعم الخليجي
تعوّل الحكومة الجديدة بشكل كبير على وعود الدعم المالي من السعودية والإمارات، لتمويل استيراد السلع ودفع الرواتب وتحقيق استقرار جزئي في سوق الصرف. لكن هذا الدعم لا يزال محل ترقب، ولم تتضح بعد مواعيده أو حجمه الحقيقي.
الحمادي يرى أن “النجاح في احتواء الأزمة مرهون بحجم وسرعة الدعم الخليجي، لكن من دون إصلاح داخلي وإدارة فعالة، فإن أي دعم سيكون بمثابة مسكنات مؤقتة”.
حضرموت بين الحسابات السياسية والتحولات الجيوسياسية
يثير تعيين شخصية من محافظة حضرموت، الغنية بالموارد والنفط، تساؤلات حول رسائل القرار وتوقيته. مراقبون يرون أن هناك توجهاً إقليمياً ودولياً – سعودياً وأمريكياً على وجه الخصوص – لتعزيز مكانة حضرموت كمركز مستقر، وربما لتكون بديلاً عدن المضطربة، ضمن ترتيبات ما بعد الحرب.
ويعتقد الخبير أحمد الحمادي أن “هذا التوجه قد يكون مقدمة لتحولات هيكلية في شكل الدولة، وإعادة توزيع للسلطة والثروة”، محذراً في الوقت ذاته من أن أي إقصاء لعدن أو باقي المحافظات قد يفاقم الانقسام ويضعف مجلس القيادة ذاته.
تحديات بن بريك الداخلية
بعيداً عن الحسابات الخارجية، يواجه بن بريك تحديات داخلية صعبة، في طليعتها تجاوز الانقسامات داخل السلطة، ومواجهة الفساد المستشري، وإعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين.
نجاح الحكومة لن يكون مرهوناً فقط بالموارد، بل بقدرتها على اتخاذ قرارات صعبة وجريئة، ووضع خارطة طريق واضحة للإصلاح الحقيقي، بعيداً عن التوازنات السياسية الضيقة التي أعاقت من سبقوه.