شبه الجزيرة نت | الأقتصاد
في خطوة وُصفت بأنها امتداد للمسار الاقتصادي والسياسي لاتفاقيات أبراهام، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انضمام كازاخستان رسمياً إلى الاتفاقيات التطبيعية مع إسرائيل، لتكون أول دولة ذات أغلبية مسلمة غير عربية تدخل هذا النادي منذ توقيع الاتفاقيات عام 2020.
وجاء الإعلان خلال اجتماع في البيت الأبيض ضم قادة خمس دول من آسيا الوسطى (كازاخستان، أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قرغيزستان) ضمن إطار مجموعة “5+1” التي أطلقتها واشنطن لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي في المنطقة. وقال ترامب إن هذه الخطوة تمثل “أول انضمام جديد إلى اتفاقيات أبراهام خلال ولايته الثانية”، مشيراً إلى أن دولاً أخرى “تبدي استعداداً للسير في الاتجاه نفسه”.
رمزية سياسية.. ودوافع اقتصادية
رغم العلاقات المسبقة بين كازاخستان وإسرائيل، فإن محللين وصفوا الانضمام بأنه تطور رمزي يحمل دلالات استراتيجية، إذ يعكس انتقال ملف التطبيع من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى.
ووفق تحليل نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية، فإن الخطوة تمثل “بداية مرحلة جديدة” لتوسيع دائرة التطبيع نحو دول إسلامية غير عربية، ما يعزز شبكة المصالح التجارية لإسرائيل ويكرّس الوجود الأمريكي في قلب القارة الآسيوية.
أما حكومة كازاخستان فاعتبرت أن انضمامها “استمرار طبيعي لسياسة البلاد القائمة على الحوار والاستقرار الإقليمي”، مؤكدة أن الاتفاق “يركز على التعاون الاقتصادي وتعزيز التنمية المشتركة”.
المعادن.. كلمة السر في مشروع التطبيع
يحمل انضمام كازاخستان بعداً اقتصادياً محورياً، إذ تمتلك البلاد احتياطيات ضخمة من المعادن الأساسية كالليثيوم والنحاس واليورانيوم، وهي موارد حيوية في الصناعات المتقدمة والطاقة المتجددة.
وذكرت مصادر أمريكية أن قضية المعادن كانت أبرز بنود قمة 5+1، حيث وُقّعت اتفاقيات مبدئية لتوسيع سلاسل الإمداد العالمية وربطها بالمراكز الصناعية الإسرائيلية والأمريكية، في إطار خطة تهدف إلى تقليل الاعتماد على الصين في توريد هذه المواد.
كما يتقاطع هذا التوجه مع مشاريع اقتصادية إقليمية كبرى، أبرزها الممر الأوسط الذي يربط آسيا الوسطى بالبحر المتوسط عبر القوقاز وتركيا، وهو مشروع تتطلع واشنطن وتل أبيب إلى الاستفادة منه لتعزيز حركة التجارة والوصول إلى الأسواق الأوروبية.
إسرائيل بوابة جديدة للتجارة الآسيوية
تسعى واشنطن، بحسب تقارير اقتصادية، إلى جعل إسرائيل محوراً رئيسياً في الممرات الاقتصادية التي تربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، بحيث تتحول إلى “بوابة المتوسط” للشركات الأمريكية والإسرائيلية.
كما يجري بحث إنشاء إطار أوسع تحت مسمى مجموعة 6+2، يضم أذربيجان وإسرائيل إلى جانب دول آسيا الوسطى والولايات المتحدة، لتوسيع التنسيق الاقتصادي والأمني في المنطقة وربط الممرات التجارية الاستراتيجية.
تركيا.. العامل الحاسم
أشارت ناشونال إنترست إلى أن تركيا تمثل عنصراً حاسماً في أي توسع مستقبلي لاتفاقيات أبراهام، نظراً لنفوذها الكبير في آسيا الوسطى. وترى المجلة أن أنقرة قد تُعيق المشروع ما لم تُشرك دبلوماسياً في ترتيبات المرحلة المقبلة، خصوصاً مع دورها الحيوي في الممرات اللوجستية الإقليمية.
إعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية والسياسية
تُظهر الخطوة الأمريكية الجديدة سعياً إلى تحويل اتفاقيات أبراهام من إطار عربي–إسرائيلي إلى منصة تعاون أوسع تضم دولاً إسلامية وآسيوية، بهدف خلق شبكات اقتصادية متكاملة تُعزز الحضور الأمريكي والإسرائيلي في القارة الآسيوية.
وبحسب مراقبين، فإن انضمام كازاخستان يشكل حجر زاوية في مخطط اقتصادي ضخم يهدف إلى:
تأمين مصادر المعادن الحيوية.
توسيع سلاسل الإمداد العالمية.
ربط الممرات التجارية بين آسيا وأوروبا.
وجذب الاستثمارات الإسرائيلية والأمريكية إلى آسيا الوسطى.
وبذلك، يبدو أن التطبيع في نسخته الجديدة لم يعد سياسياً فحسب، بل تحوّل إلى أداة لإعادة رسم الخريطة الاقتصادية للمنطقة، وفق أولويات واشنطن وتل أبيب بعد حرب غزة.