شبه الجزيرة نت | البحر الأحمر
رغم الهدوء النسبي الذي أعقب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ما تزال شركات الشحن العالمية تتجنب عبور البحر الأحمر، الممرّ البحري الأهم الذي يربط آسيا بأوروبا، وسط استمرار المخاطر الأمنية الناجمة عن هجمات قوات صنعاء ضد السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها، وتعدد التعقيدات الجيوسياسية التي تحيط بالإقليم.
وتشير تقارير حديثة إلى أن بعض الشركات بدأت باختبار محدود للملاحة في المنطقة، إلا أن الخبراء يؤكدون أن العودة الكاملة إلى المسار عبر البحر الأحمر لن تتحقق قبل عام 2027 على أقرب تقدير.
اختبارات رمزية وتريث عالمي
رصد مرصد “شبة الجزيرة” بدء شركة الشحن الفرنسية CMA CGM تسيير خدمات تجريبية محدودة في البحر الأحمر، في خطوة اعتُبرت رمزية أكثر منها تشغيلية، إذ لا تعكس استعداداً حقيقياً لاستئناف العبور المنتظم، خاصة مع ترجيح استمرار “اللاعودة” حتى نهاية 2027.
وتفضل الشركات الكبرى — مثل MSC السويسرية وميرسك الدنماركية وكوسكو الصينية وهاباغ لويد الألمانية — التريث، متمسكة بالمسار البديل عبر رأس الرجاء الصالح رغم تكاليفه المرتفعة من حيث الوقت والتأمين والوقود.
المخاطر السياسية مستمرة
بحسب تقرير لشبكة CNBC، يرى الخبير البحري آلان مورفي، مؤسس شركة Sea Intelligence، أن وقف إطلاق النار في غزة “خطوة أولى فقط”، مشيراً إلى أن الحوثيين قد يربطون وقف هجماتهم بشروط سياسية معقدة مثل “إقامة دولة فلسطينية كاملة”، ما يجعل التهدئة البحرية “بعيدة المنال”.
أما لارس جينسن من شركة Vespucci Maritime، فيؤكد أن قوات صنعاء “لن توقف عملياتها حالياً”، مستشهداً بتصريحاتها التي تربط أي تهدئة “برفع الحصار عن غزة ووقف العدوان كلياً”.
عقدة لوجستية وأمنية معقدة
تصف تقارير الشحن العالمية الوضع بأنه “خطر جيوسياسي مركب”، إذ إن استئناف الملاحة الآمنة يتطلب التزامات حازمة من الحوثيين وضمانات أمنية غربية مكثفة، وهي شروط غير متوفرة حالياً.
كما أن تشغيل خدمة واحدة عبر قناة السويس يتطلب أسطولاً من نحو 14 سفينة في رحلة تستغرق قرابة 100 يوم، ما يجعل أي تغيير في المسار مخاطرة مالية ولوجستية كبيرة.
أرباح متباينة وشركات رابحة
ورغم ما تكبدته بعض الشركات من خسائر، تشير تقارير إلى أن شركات شحن وتأمين أخرى حققت أرباحاً قياسية بسبب ارتفاع أسعار النقل وتكاليف التأمين. ويبدو أن هذه الأرباح جعلت بعض الشركات غير متعجلة للعودة إلى البحر الأحمر في ظل وفرة الطلب وارتفاع العائدات من المسار البديل عبر إفريقيا.
ازدحام محتمل في الموانئ
يتوقع خبراء أن تؤدي العودة التدريجية إلى البحر الأحمر، إن حدثت، إلى ازدحام مؤقت في الموانئ نتيجة التقاء السفن القادمة من مساري السويس ورأس الرجاء الصالح، ما قد يسبب اضطرابات تمتد من شهرين إلى ستة أشهر، مع احتمال ارتفاع أسعار الشحن مؤقتاً إلى خمسة أضعاف قبل أن تستقر لاحقاً.
توقعات حذرة للعامين المقبلين
تشير تحليلات متخصصة إلى إمكانية تحسن نسبي في أوضاع الملاحة خلال عام 2026، شريطة استقرار الأوضاع في غزة وهدوء التوترات الإقليمية، غير أن العودة الكاملة إلى المسار التقليدي عبر البحر الأحمر تبقى مؤجلة حتى إشعار آخر.
وفي المدى البعيد، يتوقع أن يؤدي فائض السفن العالمي إلى انخفاض أسعار الشحن إلى مستويات عام 2023 أو أقل بحلول عام 2028، في حال استقرت خطوط الملاحة العالمية واستعاد الممر الحيوي أمنه المفقود.
وبين تهدئة سياسية غير مكتملة وواقع بحري ملتهب، يظل البحر الأحمر رهينة معادلة صعبة تجمع بين حسابات الأمن والسياسة والتجارة العالمية، فيما تواصل شركات الشحن إدارة أزماتها بين خيارين أحلاهما مرّ: دوران طويل حول إفريقيا أو عبور محفوف بالمخاطر عبر باب المندب.