شبه الجزيرة نت | مقالات
في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة، والتقلبات في المشهد اليمني، يبرز سؤال حتمي يفرض نفسه بقوة على الطاولة الإقليمية والدولية: ماذا تريد السعودية من اليمن؟
وفي المقابل، ماذا يريد اليمنيون من السعودية؟
سؤال لم يعد ترفًا فكريًا أو تكرارًا صحفيًا، بل أصبح مفتاحًا لفهم حاضر المنطقة ومستقبلها.
تاريخ معقّد… وجوار دائم
العلاقة بين السعودية واليمن لم تكن يومًا علاقة عابرة أو هامشية. فالتاريخ يشهد على محطات متعددة من التعاون، والاختلاف، والتقارب، والصراع. فالسعودية، التي تشترك مع اليمن في أطول حدود برية جنوبية، كانت لعقود تنظر إلى اليمن باعتباره منطقة نفوذ استراتيجي، وعمقًا أمنياً لا يمكن تجاهله.
منذ قيام الجمهورية اليمنية، والسعودية لعبت أدوارًا سياسية متعددة في دعم الحكومات المتعاقبة، وتمويل مشاريع تنموية، واحتواء أزمات داخلية. ومع ذلك، لم تغب الشكوك بين الطرفين، وظلت العلاقة محكومة بتوازنات دقيقة، وملفات حساسة، أبرزها ملف الحدود، والموقف من الوحدة اليمنية، وتأثير القبائل، والدور الإقليمي المتداخل.
الحرب… لحظة التحول الكبرى
اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، وما تبعها من تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية، شكّل لحظة تحول حاسمة في مسار العلاقة. الرياض أعلنت آنذاك أن تدخلها جاء لحماية الشرعية اليمنية من خطر جماعة الحوثي المدعومة من إيران، ومنع انهيار الدولة اليمنية وتحولها إلى كيان تابع لطهران على حدود المملكة.
لكن مع مرور السنوات، تعقّدت الصورة. إذ تحولت الحرب إلى نزيف مستمر، ودخلت أطراف متعددة على خط الأزمة، وتعددت المصالح، وتشابكت الأجندات. واليوم، وبعد مرور أكثر من ثماني سنوات، لم تعد الحرب تُقرأ فقط من زاوية “استعادة الشرعية”، بل أصبحت محل تساؤل ونقد من أطياف يمنية واسعة.
فما الذي تريده السعودية حقًا من اليمن؟
هل تسعى إلى يمن مستقر، ديمقراطي، موحد؟
أم إلى يمن ضعيف، منقسم، يمكن التحكم في مساراته؟
هل ما تزال المملكة تراهن على حلفاء محليين داخل اليمن؟ أم أن السياسة الجديدة تميل إلى إعادة التقييم والانفتاح على قوى الأمر الواقع، بما فيهم الحوثيون؟
اليمنيون… بين الأمل والخذلان
على الجانب الآخر، تتباين آراء اليمنيين بشأن دور السعودية. فبين من يرى فيها “شقيقة كبرى” ذات دور حاسم في إعمار اليمن وتحقيق الاستقرار، وبين من يتهمها بأنها جزء من المشكلة وليست جزءًا من الحل، هناك طيف واسع من المواقف.
البعض يعتقد أن السعودية لم تدعم الدولة اليمنية بما يكفي، بل ركزت على دعم أفراد وقوى بعينها. آخرون يرون أنها ساهمت، عن قصد أو بدون قصد، في تعزيز الانقسام داخل الجغرافيا اليمنية، من خلال تغاضيها عن تمدد المجلس الانتقالي في الجنوب، أو دعم تشكيلات عسكرية خارج نطاق الدولة.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن المملكة كانت، وما زالت، الحاضن الأكبر للملايين من المغتربين اليمنيين، والمصدر الرئيسي للمساعدات المالية، والطرف الأهم في أي تسوية سياسية قادمة.
أين يقف الملف الآن؟
اليوم، ومع تصاعد الحديث عن مفاوضات غير معلنة بين السعودية والحوثيين، ومحاولات بناء تفاهمات أمنية وسياسية، يعود “السؤال” للواجهة:
هل نحن أمام صفقة إقليمية تتجاوز الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا؟
وهل يمكن تحقيق سلام حقيقي دون أن يكون لليمنيين ــ بكل أطيافهم ــ صوت حقيقي في تحديد مصيرهم؟
كذلك، يزداد قلق كثير من اليمنيين من أن تكون “التهدئة” الحالية مجرد هدنة مؤقتة تُبقي الوضع على ما هو عليه، دون معالجة الجذور العميقة للصراع، وعلى رأسها العدالة الانتقالية، ملف الرواتب، ورفع الحصار، ووحدة البلاد.
نحو إجابة صادقة
في نهاية المطاف، فإن الإجابة على هذا “السؤال” لا تكمن فقط في العواصم السياسية أو المفاوضات المغلقة، بل في نوايا الأطراف، وفي إرادتهم الحقيقية لإعادة رسم علاقة تقوم على الاحترام المتبادل، السيادة، وعدم التدخل، وبناء مصالح مشتركة تعود بالنفع على الشعبين.
فهل نقترب من تلك الإجابة؟ أم أن السؤال سيبقى معلّقًا، تدفع ثمنه الأجيال القادمة؟