شبه الجزيرة نت | اقتصاد
أصدر مراقب الدولة الإسرائيلي تقريراً موسعاً كشف فيه عمق الأزمة الاقتصادية التي تضرب مدينة إيلات خلال حرب “السيوف الحديدية”، مسلطاً الضوء على تدهور غير مسبوق في المدينة التي كانت تُعد واجهة السياحة الإسرائيلية الأولى. التقرير لم يكتف بتشخيص التراجع الحاد في السياحة والبطالة والخسائر البلدية، بل وجّه أصابع الاتهام مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية التي أخفقت، على مدى سنوات، في تنفيذ قراراتها المتعلقة بتعزيز المدينة وتنويع مواردها الاقتصادية.
سياحة هشة واقتصاد أحادي
منذ سنوات، اعتمدت إيلات على قطاع السياحة كركيزة شبه وحيدة لاقتصادها. قرارات حكومية عديدة وُضعت على الورق لتطوير البنية الاقتصادية والصحية والمواصلاتية، لكن شيئاً منها لم يتحقق على الأرض. ومع اندلاع الحرب الأخيرة، ظهر الخلل البنيوي بوضوح: انكماش السياحة الخارجية وتراجع السياحة الداخلية أديا إلى شلل في الأنشطة التجارية وإغلاق المراكز الحيوية، فيما ارتفعت البطالة وتراجعت إيرادات البلدية بملايين الشواكل.
اليمن يدخل المعادلة
الأزمة لم تتوقف عند حدود ضعف السياحة. فقد دخلت إيلات في خط النار مباشرة مع استهدافها بالصواريخ والمسيرات اليمنية التي أطلقتها قوات صنعاء نحو الميناء والمطار. هذه الهجمات الاستراتيجية لم تكتف بتعطيل حركة السفر والتجارة، بل ضربت صورة المدينة كوجهة آمنة، ما أدى إلى هروب السياح والمستثمرين. وباتت إيلات تعاني من معضلة مركبة: حرب تستنزفها داخلياً، وضربات يمنية تهددها من الخارج.
مكاسب مؤقتة وخسائر متواصلة
ورغم أن استقبال عشرات الآلاف من النازحين الإسرائيليين من الشمال والجنوب أوجد نشاطاً مؤقتاً لقطاع الفنادق، فإن بقية القطاعات الاقتصادية ظلت غارقة في خسائرها. الأسواق التجارية خلت من زبائنها، والمراكز الترفيهية أغلقت أبوابها، والخدمات العامة واجهت عجزاً متزايداً. هذا الواقع أبرز بوضوح أن إيلات، رغم بعض المكاسب المؤقتة، تعيش أزمة هيكلية لا يمكن تعويضها عبر حلول ظرفية.
الحكومة في قفص الاتهام
مراقب الدولة لم يوفّر الحكومة من النقد اللاذع، مؤكداً أن الإهمال المزمن في تطبيق القرارات جعل المدينة عرضة للأزمات المتكررة. أزمات سابقة مثل جائحة كورونا أظهرت هشاشة إيلات، وجاءت الضربات اليمنية اليوم لتؤكد أن المدينة لم تعد فقط في مواجهة انهيار اقتصادي، بل باتت على خط التماس المباشر مع حرب إقليمية تتسع دائرتها.
البعد السياسي والإقليمي
إدخال اليمن لإيلات في دائرة الاستهداف يعبّر عن تحوّل استراتيجي في الصراع الإقليمي. فإيلات تمثل المنفذ الجنوبي لإسرائيل على البحر الأحمر، ووجودها الاقتصادي يرتبط مباشرة بخطوط التجارة العالمية، لاسيما مع مشروع ميناء “العقبة–إيلات” الذي رُوّج له كممر بديل عن قناة السويس. الضربات اليمنية، إذن، ليست مجرد رسائل عسكرية، بل هي جزء من معركة السيطرة على طرق الملاحة في البحر الأحمر.
هذا التحول يعني أن أي ضعف في إيلات لا يقتصر على السياحة والاقتصاد المحلي، بل ينعكس على الحسابات الجيوسياسية لإسرائيل وعلاقاتها مع شركائها الغربيين. كما يضع تل أبيب في مواجهة مباشرة مع معادلة جديدة فرضها اليمن، مفادها أن استمرار العدوان على غزة واستهداف اليمن سيجعل الممرات البحرية والاقتصادية الإسرائيلية رهينة للصواريخ والمسيرات.