شبه الجزيرة نت | أخبار العالم
في خطوة وُصفت بأنها تحول استراتيجي في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، أعلنت سلطنة عمان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وقوات صنعاء، ما شكّل مفاجأة غير سارة لإسرائيل التي تعيش في ذروة حربها على غزة وتعتمد على الدعم الأمريكي بصورة شبه مطلقة.
غياب التنسيق الأمريكي مع إسرائيل: بوادر انفصال حقيقي في المصالح
أبدى مسؤولون إسرائيليون استياءً من قرار واشنطن بعدم إبلاغ تل أبيب مسبقاً بالاتفاق، واعتبروا أن هذا التجاهل يعكس اتجاهاً جديداً في إدارة ترامب نحو تغليب مصالح أمريكا أولاً، حتى لو تعارضت مع أمن إسرائيل.
وذكرت مجلة “إيبوك” الإسرائيلية أن الاتفاق يمثل “ضربة قاسية” لتل أبيب، مؤكدة أن ترامب ينسحب من اليمن في توقيت بالغ الحساسية، عقب استهداف الحوثيين مطار بن غوريون، البوابة الجوية الرئيسية لإسرائيل. هذا التوقيت لا يعكس فقط غياب التنسيق، بل يعزز فرضية الانفصال الاستراتيجي بين الحليفين.
تحول في أولويات ترامب: لا مزيد من الحروب
يرى مراقبون أن ترامب أراد تجنّب التورط في “المستنقع اليمني”، خاصة قبيل زيارته المنتظرة إلى الخليج. ووفقًا لتقديرات المجلة، فإن هذا التحرك جاء تماشياً مع وعوده الانتخابية بعدم الدخول في حروب جديدة، مع محاولة إظهار الاتفاق كـ”نصر أمريكي”، رغم أن الواقع الميداني لم يفرض استسلاماً حقيقياً للحوثيين.
صعود الحوثيين إقليمياً وتراجع الردع الأمريكي
تعتبر مجلة فورين أفيرز الأمريكية أن الاتفاق يعكس إخفاق الحملة الجوية الأمريكية في كسر القوة العسكرية للحوثيين، مشيرة إلى أن الجماعة ما زالت تحتفظ بقدرة عالية على تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والضغط المباشر على إسرائيل. والأهم أن الاتفاق لا يمنع الحوثيين من مواصلة ضرباتهم ضد إسرائيل، بل يقتصر فقط على وقف الهجمات ضد الولايات المتحدة.
وتشير المجلة إلى أن الانتصارات العسكرية والإعلامية التي حققتها قوات صنعاء مؤخراً، بما في ذلك إسقاط طائرات مسيّرة أمريكية متطورة، منحتها زخماً سياسياً وشعبياً، ما جعلها رقماً صعباً في أي معادلة إقليمية.
فشل التحالف الإقليمي: مصر والسعودية والإمارات ترفض المغامرة
وفق المجلة، فإن الولايات المتحدة عجزت عن تشكيل تحالف بري مشترك لغزو اليمن، بعد أن رفضت مصر والسعودية والإمارات الانخراط في حملة ميدانية تخدم في نظرهم “المصالح الإسرائيلية” بالدرجة الأولى. هذا الرفض يعكس إدراكاً متزايداً في العواصم العربية لحجم التكاليف والمخاطر في اليمن، التي فشلت سنوات من الحرب في إخضاعه.
تداعيات على إسرائيل: عزلة وقلق استراتيجي
إسرائيل، بحسب محللين، باتت تشعر بالعزلة الاستراتيجية، خصوصاً بعد أن تحولت صنعاء إلى لاعب إقليمي قادر على تهديد أمنها دون رادع حقيقي. فبينما تسعى تل أبيب لإدامة الضغط على غزة، تجد نفسها مضطرة للتعامل مع جبهة جنوبية من اليمن مفتوحة على التصعيد، دون دعم أمريكي مباشر.
وقد عبّر سياسيون إسرائيليون عن قلقهم من أن هذا القرار الأمريكي يمهد لاستئناف المفاوضات مع إيران، ما يعني ضمنياً تخفيف الضغط على محور المقاومة، وهو ما تعتبره تل أبيب تهديداً لميزان الردع في المنطقة.
خلاصة: مرحلة جديدة من الحسابات الجيوسياسية
يعكس الاتفاق بين واشنطن وصنعاء بداية لتغيّر واسع في التحالفات والتوازنات في الشرق الأوسط، حيث لم تعد إسرائيل قادرة على افتراض التزام أمريكي مطلق بمصالحها، خاصة إذا تعارضت مع استراتيجية “أمريكا أولاً”. وفي حين تحاول واشنطن تهدئة الملفات قبيل استحقاقات انتخابية أو دبلوماسية، تجد تل أبيب نفسها أمام مأزق أمني متصاعد دون مظلة الحماية القديمة