شبه الجزيرة نت | الأقتصاد
تعيش الولايات المتحدة واحدة من أشد أزماتها السياسية والإدارية خلال السنوات الأخيرة، مع دخول الإغلاق الحكومي الاتحادي يومه الثامن والعشرين منذ الأول من أكتوبر، ليصبح ثاني أطول إغلاق في تاريخ البلاد، وسط ضغوط اقتصادية متزايدة وتوتر سياسي غير مسبوق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وبحسب تقرير لوكالة أسوشيتد برس، تتصاعد الضغوط هذا الأسبوع على الكونغرس الأمريكي لإنهاء حالة الشلل الحكومي، بعد أن بدأ ملايين الأمريكيين يواجهون خطر فقدان المساعدات الغذائية وتأخر صرف رواتب الموظفين الفيدراليين للمرة الأولى منذ عقود، في وقت تشهد فيه البلاد اضطرابات واسعة في حركة الطيران وتباطؤاً في القطاعات الحيوية.
تفاقم الأزمة ومعاناة الموظفين
ودعت أكبر نقابة للموظفين الفيدراليين في الولايات المتحدة الكونغرس إلى تمرير قانون تمويلي عاجل يضمن صرف الرواتب كاملة، وقال رئيس الاتحاد الأمريكي لموظفي الحكومة، إيفريت كيلي، إن “الوقت حان لإنهاء هذا الإغلاق فوراً، دون مناورات أو حلول جزئية”.
ورغم هذه الدعوات، لا يزال الحزب الديمقراطي متمسكاً بمطالبه، وعلى رأسها الحصول على ضمانات من البيت الأبيض بعدم تنفيذ عمليات تسريح جماعي للعاملين، إضافة إلى تمديد الدعم المالي المخصص لبرامج التأمين الصحي ضمن قانون “الرعاية الميسرة”.
تأثيرات اقتصادية متصاعدة
وفقاً لتقديرات نقلتها وكالة رويترز، فإن الإغلاق الحكومي يقتطع أسبوعياً ما بين 0.1 و0.2 نقطة مئوية من النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، ما ينعكس مباشرة على إنفاق الأسر وإنتاجية القطاع العام.
ويُقدر عدد المتضررين بأكثر من 1.3 مليون جندي أمريكي مهددين بعدم تلقي رواتبهم بنهاية الأسبوع، إضافة إلى توقف برنامج المساعدات الغذائية الذي يعتمد عليه نحو 42 مليون مواطن، بعد رفض الإدارة استخدام أموال الطوارئ لتعويض النقص في التمويل.
وفي تطور لافت، كشفت وسائل إعلام أمريكية عن تبرع الملياردير تيموثي ميلون المقرب من الرئيس السابق ترامب بمبلغ 130 مليون دولار للبنتاغون لتغطية رواتب العسكريين مؤقتاً، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية.
شلل في قطاع الطيران
وامتدت تداعيات الإغلاق إلى قطاع الطيران، حيث تأجلت أكثر من 15 ألف رحلة داخلية خلال يومين فقط بسبب نقص الموظفين في إدارة الطيران الاتحادية، ما أدى إلى تعطيل الحركة في مطارات رئيسية مثل نيوارك وأوستن ودالاس فورت وورث.
وأكدت الإدارة أن أكثر من 13 ألف مراقب جوي و50 ألف موظف في إدارة أمن النقل يعملون حالياً دون أجر، فيما بلغت معدلات تأخير الرحلات في مطار لاغوارديا بنيويورك أكثر من ساعة كاملة في المتوسط.
صراع سياسي مفتوح
تحوّل الإغلاق الحكومي إلى معركة سياسية مفتوحة بين الحزبين؛ فالديمقراطيون يصرّون على ربط أي اتفاق تمويلي بضمان استمرار الرعاية الصحية، بينما يتهم الجمهوريون خصومهم بعرقلة مشاريع القوانين المؤقتة، في حين تشير استطلاعات الرأي إلى أن الغالبية من الأمريكيين يحمّلون الجمهوريين والبيت الأبيض مسؤولية الأزمة.
ويرى محللون أن استمرار الإغلاق لفترة أطول قد يفاقم حالة الركود ويهز ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأمريكي، خصوصاً مع تحذيرات الاحتياطي الفيدرالي من تأثير الجمود المالي على قرارات خفض الفائدة المرتقبة.
آفاق غامضة
ومع تصلّب المواقف وغياب التفاهم بين الكونغرس والبيت الأبيض، تتجه الأنظار إلى الأسابيع المقبلة التي قد تحدد مصير الاقتصاد الأمريكي في الربع الأخير من العام، وسط تحذيرات من ركود جزئي محتمل وتراجع ثقة المواطنين بالمؤسسات الحكومية.
وفي الوقت الذي يتبادل فيه السياسيون الاتهامات، يبقى المواطن الأمريكي هو الخاسر الأكبر، بين رواتب معلّقة ومساعدات متوقفة، فيما يترقب الشارع الأمريكي حلاً سياسياً عاجلاً يعيد فتح مؤسسات الدولة ويعيد الثقة في الأداء الحكومي.