شبه الجزيرة نت | الاقتصاد
خلال معركته الشرسة مع الصين، دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في صدام داخلي مع مجلس الاحتياطي الفيدرالي بقيادة جيروم باول، محاولًا توجيه السياسة النقدية لخدمة معركته التجارية. لكن بدلاً من تقوية موقفه، وجد ترامب نفسه محاصرًا بين فكي كماشة: ضغوط الصين من الخارج، ومقاومة الفيدرالي من الداخل. فكيف نصبت بكين هذا الفخ؟ ولماذا كان صراع ترامب مع الفيدرالي علامة فارقة في الحرب الاقتصادية العالمية؟خطة الصين الذكية: السلاح الخفي
مع تصعيد ترامب للحرب التجارية عبر فرض رسوم جمركية باهظة على الواردات الصينية، ردت بكين بأسلوب مختلف:
خفضت قيمة اليوان الصيني أمام الدولار.
كثفت الدعم الحكومي لقطاعاتها الاستراتيجية.
ووجهت اقتصادها نحو مزيد من الاكتفاء الذاتي.حسب تقارير من Bloomberg وThe New York Times، خفض الصين لعملتها جعل صادراتها أكثر تنافسية، مما خفف حدة تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية عليها.
في المقابل، أدى ارتفاع الدولار إلى زيادة معاناة الشركات الأمريكية التي تعتمد على الأسواق الخارجية، وإلى خلق ضغوط إضافية على الاقتصاد الأمريكي.
ترامب يضغط على الفيدرالي: معركة داخلية بلا سابقة
بمواجهة تباطؤ النمو وتضرر الصادرات الأمريكية، بدأ ترامب يرى في قوة الدولار عقبة أمام نجاحه الاقتصادي والسياسي.
بحسب تحقيقات من Financial Times وThe Wall Street Journal، صعّد ترامب انتقاداته العلنية لجيروم باول، متهماً إياه بالتقاعس عن دعم الاقتصاد، حتى وصل الأمر إلى بحث إمكانيات “خفض رتبة” باول أو عزله.
في سابقة لم يشهدها التاريخ الأمريكي الحديث، سعى رئيس الولايات المتحدة للتدخل مباشرة في استقلالية البنك المركزي، مما أثار قلق المستثمرين والخبراء الاقتصاديين.
موقف جيروم باول: الدفاع عن استقلالية الفيدرالي
رغم الضغوط السياسية العنيفة، أصر جيروم باول، وفق ما ذكرته CNN وReuters، أن الاحتياطي الفيدرالي يتخذ قراراته بناءً على المعطيات الاقتصادية فقط، وليس بناءً على تعليمات سياسية.
باول أشار في عدة مناسبات إلى أهمية الحفاظ على استقلالية الفيدرالي لضمان استقرار الاقتصاد الأمريكي على المدى البعيد، مؤكدًا أن “القرارات السليمة تحتاج إلى بيئة خالية من التدخل السياسي المباشر.”
نتيجة الصراع: فخ الصين ينجح
بينما كان ترامب يقاتل داخليًا للضغط على الفيدرالي، كانت الصين تراقب وتستفيد من حالة التخبط الأمريكية:
الأسواق الأمريكية أصبحت أكثر تقلبًا بسبب غموض السياسات النقدية.
المستثمرون بدأوا يفقدون الثقة في استقرار السياسة الاقتصادية الأمريكية.
الصين استطاعت الصمود أمام العقوبات دون أن تتضرر بشدة كما توقع ترامب.
تقارير من The Atlantic وPolitico أوضحت أن بكين لعبت على وتر “صبر استراتيجي”، مفضلة استنزاف الإدارة الأمريكية سياسيًا واقتصاديًا بدلًا من مواجهة مباشرة.
التداعيات الاقتصادية والسياسية
محاولة ترامب كسر استقلال الفيدرالي لم تمر دون آثار:
ارتفعت المخاوف من تسييس السياسة النقدية في الولايات المتحدة.
تراجع الدولار لفترات قصيرة بسبب فقدان الثقة.
زادت حدة الانقسامات السياسية الداخلية.
تضررت صورة الولايات المتحدة كقائدة للنظام المالي العالمي.
ووفق تحليلات من Fortune وAP News، فإن هذه الأحداث عمقت أيضًا الانقسامات داخل الحزب الجمهوري نفسه، حيث عبر بعض الأعضاء عن خشيتهم من أن تؤدي سياسات ترامب إلى أزمات اقتصادية طويلة الأمد.
دروس الفخ الصيني
من خلال استدراج الولايات المتحدة إلى صراع نقدي وتجاري مزدوج، أظهرت الصين أنها لا تحتاج إلى الرد العسكري أو السياسي المباشر لشل منافسيها، بل يمكنها استخدام أدوات الاقتصاد والسياسة الدولية لتحقيق أهدافها.
أما في الداخل الأمريكي، فقد أظهر الصراع بين ترامب وجيروم باول أهمية استقلالية المؤسسات النقدية في حماية الاقتصاد الوطني من التقلبات السياسية.
وبينما انتهت ولاية ترامب بخسارته الانتخابات، ظلت آثار صراعه مع الفيدرالي حية، لتكون درسًا في كيفية سقوط أعظم الاقتصادات تحت وطأة الحروب الخاطئة.