شبه الجزيرة نت | الأقتصاد
تقترب الولايات المتحدة والصين من فتح صفحة جديدة في علاقاتهما الاقتصادية، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه خفض الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية، في خطوة قد تمهد لمرحلة تهدئة بعد سنوات من التوتر التجاري والعقوبات التقنية المتبادلة.
ويأتي هذا التطور عشية لقاء مرتقب بين ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، في محاولة لإعادة ضبط العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم، وسط مؤشرات إيجابية من الأسواق التي تترقب ما إذا كانت هذه البادرة ستتحول إلى اتفاق شامل.
خفض الرسوم.. بوابة لتقارب اقتصادي
صرّح ترامب خلال رحلته إلى كوريا الجنوبية أنه يتوقع خفض الرسوم الجمركية على الصين، في إطار تعاون مشترك لمعالجة أزمة الفنتانيل، قائلاً:
> “أتوقع خفض تلك الرسوم لأنني أعتقد أنهم سيساعدوننا في مسألة الفنتانيل”.
وتشير تسريبات إلى أن الإدارة الأمريكية تدرس تقليص التعرفة الجمركية من 20% إلى 10% على بعض الواردات الصينية، في خطوة رمزية تعكس رغبة الطرفين في كسر الجمود التجاري المستمر منذ عام 2018.
ويرى مراقبون أن ترامب يسعى من خلال هذا التحرك إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية مزدوجة: تخفيف الضغوط التضخمية الداخلية، وفتح نافذة تفاوض أوسع مع بكين تشمل ملفات الطاقة والتكنولوجيا والمواد الخام.
رقائق “إنفيديا” في صلب الدبلوماسية الجديدة
الملف الأكثر حساسية في المفاوضات المقبلة يتمثل في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحديداً شريحة “بلاكويل” التي تنتجها شركة “إنفيديا”، والتي حُظر تصديرها سابقاً إلى الصين بدعوى الأمن القومي.
وقال ترامب:
> “سنتحدث عن بلاكويل، إنها شريحة خارقة تتقدم بسنوات على أي منتج آخر”.
ويرى محللون أن ترامب قد يستخدم ملف “إنفيديا” كورقة تفاوضية لإعادة التوازن التجاري، في ظل رغبة الصين في الحصول على التكنولوجيا الأمريكية لتعزيز قدراتها الصناعية.
وقد انعكس التفاؤل فوراً في الأسواق، حيث ارتفعت أسهم “إنفيديا” بنسبة 8.5% في التداولات الآسيوية عقب تصريحات ترامب، في إشارة إلى توقعات المستثمرين بإمكانية تخفيف القيود التكنولوجية.
اتفاق شامل يلوح في الأفق
وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، توصل مسؤولون من واشنطن وبكين إلى اتفاق إطاري في ماليزيا يمهد لتوقيع صفقة تجارية موسعة خلال لقاء الزعيمين في سيول.
وبحسب مصادر “شبه الجزيرة” يشمل الاتفاق المتوقع خفض الرسوم على واردات الفنتانيل إلى النصف، وتأجيل القيود الصينية على صادرات المعادن النادرة لمدة عام، إضافة إلى صفقة جزئية تخص “تيك توك” تقضي ببيع عملياته داخل الولايات المتحدة لتحالف محلي.
كما تتضمن البنود المقترحة تعاوناً في مكافحة تهريب المواد الكيميائية، وخفض رسوم الشحن المتبادلة، وتعليق بعض القيود على صادرات البرمجيات الأمريكية إلى الصين.
انعكاسات عالمية.. الذهب أول المتأثرين
تعاملت الأسواق بحذر مع هذه المؤشرات، إذ يُنظر إلى أي تقارب بين واشنطن وبكين كعامل مهدئ للتوترات الاقتصادية. ويرجّح خبراء أن يؤدي الإعلان الرسمي عن الاتفاق إلى تراجع طفيف في أسعار الذهب، الذي صعد في الأسابيع الماضية بفعل تصاعد التوتر الجيوسياسي في الشرق الأوسط وآسيا.
لكن محللين في بورصة سنغافورة يرون أن أثر التهدئة سيكون قصير الأجل، لأن الخلافات الجوهرية بين القوتين لا تزال قائمة، وأن “التقارب التجاري لا يعني نهاية التنافس الاستراتيجي”.
نحو دبلوماسية اقتصادية جديدة
من أزمة الفنتانيل إلى رقائق الذكاء الاصطناعي، يبدو أن الاقتصاد والتكنولوجيا باتا محور العلاقات بين واشنطن وبكين. فاللقاء المرتقب بين ترامب وشي قد يشكل منعطفاً مؤقتاً في حرب تجارية أرهقت الاقتصاد العالمي، لكن الهدوء بين القوتين العظميين — كما يعلّم التاريخ — لا يدوم طويلاً، بل غالباً ما يكون هدنة بين جولات جديدة من التنافس على قيادة القرن الحادي والعشرين.