شبه الجزيرة نت | الأقتصاد
في تطور جديد يعكس تعقيدات المواجهة الاقتصادية بين موسكو والغرب، أعلنت رئيسة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، أن نصف الأصول المجمدة للمستثمرين الروس في الخارج منذ عام 2022 قد أُعيدت بالفعل إلى أصحابها.
جاء تصريح نابيولينا خلال اجتماع مجلس الدوما، حيث أكدت أن “العملية ما تزال معقدة للغاية”، لكنها مستمرة، مشيرة إلى أن المواطنين الروس “استعادوا قرابة نصف أموالهم بوسائل مختلفة”.
ويُنظر إلى هذا الإعلان بوصفه رسالة مزدوجة: تطمين للأسواق المحلية، وإشارة إلى قدرة موسكو على المناورة المالية في مواجهة العقوبات الغربية المستمرة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
استعادة تدريجية وسط تجميد غربي واسع
بحسب بيانات أعادت موسكو منذ مطلع العام نحو 570 مليار روبل (ما يعادل 6.2 مليارات دولار) من الأصول المجمدة في الخارج.
وتندرج هذه الخطوة ضمن خطة أوسع لاستعادة ما أمكن من الأصول المحجوزة في أوروبا، والتي تُقدَّر بنحو 300 مليار يورو من احتياطيات البنك المركزي الروسي، منها أكثر من 200 مليار يورو مودعة في منصة المقاصة الأوروبية “يوروكلير” في بلجيكا.
وتشمل الأصول المجمدة أيضاً ما بين 50 و100 مليار دولار تخص مستثمرين روساً من الأفراد والشركات، وهي ودائع مالية وأسهم ظلت عالقة منذ 2022.
وتؤكد موسكو أن عمليات الاستعادة تجري على مراحل لتفادي صدام قانوني مباشر مع الحكومات الغربية، مع اعتمادها على تسويات مالية داخلية وتعويضات جزئية.
آلية تبادل الأصول مع الأجانب
في موازاة ذلك، بدأت شركات وساطة روسية هذا الشهر التواصل مع عملائها للتحضير لموجة جديدة من تبادل الأصول المجمدة، وفق آلية أقرتها السلطات الروسية في أغسطس الماضي.
وتتيح الآلية للمستثمرين الأجانب استخدام أرصدتهم داخل روسيا لتبادل الأصول مع المستثمرين المحليين؛ بحيث يحصل الروس على أوراق مالية مجمدة محلياً، فيما تُمنح للأجانب ملكية أصول روسية مجمدة في الخارج.
ويرى محللون أن هذه الخطوة تمثل ابتكاراً روسياً للتحايل القانوني المشروع على القيود الغربية، إذ تبقي العمليات داخل النظام المالي الروسي وتحد من التعامل المباشر مع المؤسسات الأوروبية والأمريكية.
معركة الثقة بالنظام المالي الروسي
منذ عام 2022، تواجه روسيا أكثر من 13 ألف عقوبة مالية واقتصادية استهدفت مؤسساتها السيادية وشركاتها الكبرى. ورغم ذلك، ما تزال تحتفظ باحتياطيات دولية تقارب 590 مليار دولار، مدعومة بعوائد صادرات الطاقة وضبط الواردات.
ويرى اقتصاديون روس أن التحدي الأكبر أمام الحكومة لا يكمن في الأرقام، بل في استعادة ثقة المستثمرين المحليين الذين تضرروا جراء تجميد أموالهم في الخارج.
وقالت نابيولينا إن “العمل جارٍ لتسوية القضايا العالقة كافة”، مشددة على أن “المسألة لا تتعلق فقط بالأموال بل باستعادة الإيمان بالنظام المالي الوطني”
مواجهة مالية طويلة مع الغرب
يأتي هذا التطور بينما يتزايد الجدل داخل العواصم الغربية بشأن استخدام أرباح الأصول الروسية المجمدة لتمويل دعم أوكرانيا، ما يجعل من الملف ساحة مواجهة مالية جديدة بين موسكو والغرب
في المقابل، تعمل روسيا على تدويل ملف الأصول المجمدة عبر مفاوضات مع دول آسيوية وشرق أوسطية، لتوسيع شبكات المقايضة والاستثمار بعيداً عن النظام المالي الغربي.
ويرجح مراقبون أن تستفيد موسكو من علاقاتها المتنامية مع الصين وإيران وتركيا لإطلاق أدوات مالية بديلة قد تقوّض هيمنة الدولار واليورو على التجارة العالمية
ورغم أن استعادة نصف الأصول تعد رمزية أكثر منها اقتصادية، فإنها تمثل رسالة واضحة من موسكو بأن “المعركة المالية لم تُحسم بعد” — وأن الصراع الاقتصادي مع الغرب قد يطول أكثر من الحرب العسكرية نفسها