اختفاء بلا أثر
في عام 1944، أبحرت الغواصة الألمانية U-455 وعلى متنها خمسون رجلًا، ثم اختفت دون أثر. لعقود ظل مصيرها مجهولًا، إلى أن جاء عام 2010 حين قاد الغواص الإيطالي روبيرتو رينالدي بعثة استكشافية في خليج جنوة. وهناك، على عمق 400 قدم، عُثر عليها مائلة بمقدمتها إلى الأعلى، مغطاة بطبقات كثيفة من الكائنات البحرية، والداخل مختوم كما لو أن الزمن توقف، حيث بقي الطاقم في مقبرته الحديدية منذ أكثر من ستة عقود.
الذئاب الرمادية في الحرب
كانت الغواصات الألمانية تُعرف باسم “الذئاب الرمادية”، وأُشيع عنها أنها آلة لا تُقهر تجوب المحيطات لمطاردة سفن الحلفاء. لكن اكتشاف U-455 أعاد طرح أسئلة عن مصيرها، وحوّل صورتها من أداة رعب إلى قبر جماعي صامت.
هوية الحطام الغامض
استعان رينالدي بالمؤرخين مارك ولوك بريير لتحديد هوية الحطام. بعد مراجعة الأرشيفات العسكرية في فرايبورغ، اتضح أن ثلاث غواصات ألمانية فقط فُقدت في المتوسط، إحداها U-455 من طراز VIIC. تطابق المدفع المثبت في المؤخرة وتفاصيل الهيكل أكدا الهوية.
مسيرة قصيرة نحو المجد
أُطلقت الغواصة عام 1941 بقيادة هانس-هاينريش غيسلر. بدأت بدوريات في النرويج ثم في الأطلسي حيث أغرقت سفينتين، إحداهما السفينة البريطانية ووركمان. لكن مع حلول 1943، انقلبت موازين الحرب بعد تعزيز الحلفاء دفاعاتهم بالرادارات والطائرات وقنابل الأعماق، لتتحول “الذئاب الرمادية” إلى فرائس مطاردة.
المهمة الأخيرة عبر مضيق جبل طارق
في يناير 1944، أُرسلت الغواصة إلى البحر المتوسط. عبور مضيق جبل طارق استغرق 40 ساعة تحت الماء، في إنجاز نادر. لكن بعد وصولها إلى السواحل الإيطالية، انقطعت أخبارها للأبد، ليبدأ لغز غرقها الذي لم يُحل إلا بعد عقود.
نظريات الغرق المأساوي
- الاصطدام بحقل ألغام زرعه الألمان أنفسهم.
- هجوم جوي أو بحري من الحلفاء.
- خلل ميكانيكي أو انفجار داخلي.
عند فحص الحطام وُجد المنظار مرفوعًا، ما يشير إلى أنها كانت قريبة من السطح، بينما الجزء الخلفي مفقود، ما يدعم فرضية الانفجار العنيف.
مأساة الطاقم
خمسون رجلًا انتهت حياتهم في أعماق البحر. وحدهما غيرهارد شوارتز وهيلموت سبيتزر نجوا، بعدما استُدعيا للتدريب قبل الرحلة. بعد الحرب، عاد شوارتز إلى خليج جنوة ليقف على الشاطئ مودعًا رفاقه في لحظة مؤثرة جسدت إنسانية القصة وسط قسوة التاريخ.
خاتمة
اليوم، تبقى الغواصة U-455 أكثر من مجرد حطام. إنها شاهد صامت على الحرب، بين صورة التفوق العسكري المزعومة والحقيقة المأساوية للجنود المدفونين في الأعماق. بينما يستمر البحر في إخفاء أسرار أخرى من الحرب العالمية الثانية، تبقى قصتها تذكيرًا بأن التاريخ لا يُكتب فقط في ساحات المعارك، بل أيضًا في أعماق البحار.