تُظهر التحولات الأخيرة في الشرق الأوسط أن التفويض السياسي والعسكري غير المعلن الذي منحته الولايات المتحدة لإسرائيل على مدار عقود يشارف على نهايته. فقد بدأت واشنطن تعيد رسم خريطة تحالفاتها الإقليمية، مما يفتح الباب أمام قوى جديدة كالسعودية والإمارات، وربما حتى حكومة صنعاء، للعب أدوار كانت حكرًا على تل أبيب.
لأعوام طويلة، حافظت إسرائيل على مكانتها كحليف مميز لأمريكا، بامتيازات شملت دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا واسع النطاق، وصولًا إلى تبني ملفات سياسية إقليمية. لكن تغير السياسات الأميركية – خاصة في عهدي ترامب وبايدن – أظهر توجهًا جديدًا يقوم على توزيع الأدوار بدلًا من احتكارها، وهو ما انعكس بوضوح في الملف اليمني.
الرئيس السابق دونالد ترامب كان قد بعث برسالة مفادها “اتركوا الأمر لنا في اليمن”، قبل أن تتغير النغمة لاحقًا إلى: “أنتم تتحملون مسؤوليتكم وحدكم”. هذا التراجع في الالتزام الأميركي أتى نتيجةً لتقييمات جديدة لفاعلية إسرائيل كوكيل حصري في ظل تصاعد قوى أخرى بالمنطقة.
إحدى المؤشرات اللافتة كانت فشل منظومة الدفاع الأميركية “ثاد” في التصدي لصواريخ باليستية أُطلقت من اليمن تجاه أهداف إسرائيلية، ما طرح تساؤلات حول جدوى هذه الحماية التقليدية. ومع تحذيرات من صعوبة إنقاذ طيارين إسرائيليين في حال إسقاطهم فوق اليمن، بات واضحًا أن المعادلة الإقليمية تغيّرت جذريًا.
من جهة أخرى، تسعى كل من السعودية والإمارات لإثبات نفسيهما كحليفين يمكن الوثوق بهما في قضايا حساسة كالأمن الإقليمي والطاقة والبحر الأحمر. وتقوم هذه الدول بتنفيذ سياسات خارجية أكثر جرأة واستقلالًا، معززة بحضور عسكري واقتصادي متصاعد.
حتى حكومة صنعاء، ورغم أنها غير معترف بها دوليًا، فرضت نفسها لاعبًا صعبًا في المعادلة من خلال عمليات نوعية أثبتت قدرتها على التأثير الإقليمي، وتحديدًا في البحر الأحمر والمجال الصاروخي.
كل هذا يدفع واشنطن إلى إعادة تقييم تحالفاتها ومقارباتها، والانتقال من نموذج “الوكالة الحصرية” إلى نموذج “تعدد الشركاء” مع توزيع الأدوار حسب الملف والموقع الجغرافي.
وفي ظل هذه المتغيرات المتسارعة، يبرز السؤال الجوهري:
هل تفقد إسرائيل تفويضها الحصري؟ وهل تحل السعودية أو الإمارات محلها في لعب هذا الدور الأميركي الحيوي؟
الإجابة ستتضح في الشهور القادمة، وسط إعادة رسم مستمرة لخارطة النفوذ في الشرق الأوسط.