شبه الجزيرة نت | الشحن – البحر الأحمر
في خطوة تؤكد التغيرات الجذرية في ميزان القوى الإقليمية، حذر وزير الدفاع البريطاني جون هيلي من أن المستهلكين البريطانيين والعالميين قد يواجهون موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، نتيجة استمرار جماعة الحوثي في تعطيل الشحن الدولي عبر البحر الأحمر، أحد أهم الممرات البحرية العالمية.
جاء هذا التحذير عقب تنفيذ سلاح الجو الملكي البريطاني غارات جوية على منشأة لتصنيع الطائرات بدون طيار في اليمن، قال إنها تستخدم في تنفيذ هجمات ضد السفن التي تمر عبر مضيق باب المندب. وتعد هذه الضربات، التي نُفذت بالتنسيق مع الولايات المتحدة، الأولى من نوعها منذ مايو 2024.
وقال هيلي في بيان رسمي أمام مجلس العموم إن “تعطيل الملاحة في البحر الأحمر له ثمن واضح يدفعه المواطن العادي من خلال ارتفاع تكاليف المواد الغذائية والسلع الأساسية التي يتم استيرادها عبر هذا الطريق التجاري الحيوي”.
تعطيل الملاحة وتأثيره العالمي
منذ أواخر عام 2023، صعّدت جماعة الحوثي من عملياتها في البحر الأحمر، مستهدفة السفن المرتبطة بإسرائيل أو الدول الغربية، في إطار ما تعتبره “ردًا مشروعًا” على استمرار الحرب في غزة ودعم الغرب العسكري للاحتلال الإسرائيلي. هذه العمليات أدت إلى انخفاض حاد بنسبة 55% في حركة الشحن البحري الدولي، بحسب بيانات الحكومة البريطانية.
ويلاحظ مراقبون أن استمرار هذه العمليات، رغم الضربات الجوية الغربية، يعكس قدرة الحوثيين على تغيير قواعد الاشتباك البحري في المنطقة، وفرض تأثير واضح على سلاسل الإمداد العالمية.
هجمات محددة التأثير ورسائل سياسية
على الرغم من استهداف الحوثيين لسفن عسكرية وتجارية، فإن جماعة الحوثي تؤكد دائمًا أن عملياتها تستهدف السفن التي تشارك في دعم العدوان على غزة أو في تقديم المساعدة لإسرائيل. وتشير مصادر مستقلة إلى أن الجماعة أعلنت مرارًا عن استثناء السفن الإنسانية والإغاثية من عملياتها.
هذا التمييز، من منظور الجماعة، يأتي في إطار ما تسميه بـ”الردع الاستراتيجي” و”دعم المقاومة الفلسطينية”، وهو ما يطرح تساؤلات متزايدة حول حدود العمل العسكري الغربي وفعاليته في ضمان أمن الملاحة البحرية دون معالجة الأسباب السياسية للصراع.
ضغوط اقتصادية على الغرب
من جهة أخرى، تسلّط الأزمة الضوء على هشاشة سلاسل التوريد الغربية، حيث تؤدي اضطرابات البحر الأحمر إلى ارتفاع أسعار الوقود، ومواد البناء، والمنتجات الإلكترونية والغذائية، الأمر الذي ينعكس مباشرة على تكلفة المعيشة في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وهو ما أشار إليه وزير الدفاع البريطاني بقوله إن “الناس العاديين هم من يدفعون ثمن هذا التعطيل”، ما يعكس ضيقًا متزايدًا في دوائر القرار الغربي من استمرار العمليات البحرية التي تنفذها الجماعة.
رسالة غير مباشرة من اليمن إلى العالم
في الوقت الذي تحاول فيه لندن وواشنطن احتواء الوضع عسكريًا، يظهر أن التحرك الحوثي قد نجح في فرض معادلة جديدة، تعيد ترتيب الأولويات الأمنية والتجارية في المنطقة. فبينما تنظر القوى الغربية إلى هذه التحركات كـ”تهديد”، يرى آخرون أنها رسالة ضغط فعالة تضع القضية الفلسطينية ومعاناة المدنيين في قلب النقاش الدولي.
ومع استمرار التوتر في البحر الأحمر وتزايد الضغوط الاقتصادية، يبدو أن المشهد الإقليمي يشهد تحولًا استراتيجيًا، حيث أصبحت جماعة محلية في اليمن قادرة على تغيير موازين الملاحة العالمية، وإجبار القوى الكبرى على مراجعة مقارباتها التقليدية في التعامل مع الصراعات الإقليمية.