شبه الجزيرة نت | الاقتصاد
تعيش الأسواق اليمنية مفارقة حادة؛ حيث يهدأ الموج السعري في المدى القصير، بينما تظل الأساسيات الاقتصادية هشة، مبقيةً مخاطر الجوع على ملايين الأسر مرتفعة. هذه الصورة تتجلى في “نشرة السوق والتجارة لسبتمبر 2025” الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، والتي تُحلّل المشهد بين تذبذب العملة وتراجع الأسعار المؤقت.
استقرار هش لسعر الصرف
شهد سعر صرف الريال اليمني في مناطق حكومة عدن تحسناً لافتاً منذ أغسطس، ليستقر نسبياً في سبتمبر عند متوسط 1616 ريالاً للدولار، محققاً تحسناً سنوياً يقدر بنحو 17%. إلا أن هذا التحسن، وفقاً للتقرير، كان “مكسباً إدارياً” أكثر منه تحسناً في الأساسيات، إذ جاء مدفوعاً بشكل رئيسي بضوابط وتنظيمات جديدة للبنك المركزي بعدن حدت من الطلب على العملة الأجنبية.
في المقابل، حافظت مناطق صنعاء على سعر صرف مُدار ومستقر عند 534 ريالاً للدولار. ويحذر التقرير من أن “اختبار الاستدامة” لا يزال قائماً، فأي ارتخاء في الانضباط النقدي أو صدمة خارجية قد يعيد الضغوط على سعر الصرف سريعاً، ما لم تتم معالجة العجز التجاري المزمن وشح العملات الأجنبية.
انخفاض أسعار الغذاء.. نعمة مؤقتة
انعكس تحسن سعر الصرف على أسعار السلع الأساسية، حيث شهدت مناطق عدن تراجعاً محدوداً في سبتمبر، بينما استقرت في مناطق صنعاء بفعل رقابة الأسعار. ونتيجة لذلك، انخفضت تكلفة “سلة الحد الأدنى من الغذاء” في عدن بنحو 14% على أساس سنوي.
لكن هذا الهدوء السعري هش ويخفي مخاطر تضخمية قائمة. فأسواق اليمن تتربص لأي ارتداد في سعر الصرف أو اضطراب في الإمدادات، خاصة مع استمرار القيود على الموانئ الشمالية، وتذبذب تدفقات الوقود والحبوب. وأشارت النشرة إلى أن أي عرقلة إضافية للواردات عبر الشمال قد تعيد الضغوط التضخمية إلى المشهد.
القدرة الشرائية: الفجوة المستمرة
وراء الأرقام الإيجابية الظاهرة، تكشف تحليلات التقرير عن صورة أكثر قتامة للقدرة الشرائية للمواطن. فشروط التبادل بين “العمل اليومي/الحبوب” تراجعت قليلاً في عدن، بينما شهدت تحسناً هامشياً في صنعاء بسبب الطلب الموسمي على العمالة الزراعية.
وتؤكد هذه المؤشرات أن أي مكسب سعري لا يترجم تلقائياً إلى تحسن صافٍ في القدرة الشراءة ما لم يرتبط بتحسن مستدام في الدخل. فالهشاشة الاقتصادية وفجوة الأسعار مقارنة بالدخل تظلان العقبة الرئيسية أمام تحسين الأمن الغذائي للأسر.
توقعات قاتمة وتوصيات ملحة
تُظهر التوقعات حتى فبراير 2026 أن المشهد الإنساني سيبقى بالغ القسوة، حيث يُتوقع أن يبقى أكثر من 18 مليون شخص في حالة انعدام حاد للأمن الغذائي.
ويخلص التقرير إلى أن تثبيت المكاسب الصغيرة الراهنة وتحويلها إلى مسار نزولي مستدام للأسعار يتطلب سياسة اقتصادية منسقة وليس إجراءات جزئية. كما يشدّد على أن التحدي الأكبر لملايين اليمنيين لم يعد “توافر الغذاء” في الأسواق، بل “القدرة على الوصول إليه” وسط دخول منهكة ومستقبل اقتصادي غامض.