شبه الجزيرة نت | عالمي
تشهد الساحة السورية تحولات لافتة في الموقف الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، تحولات تمثل قطيعة مع مرحلة كانت فيها دمشق من أبرز الداعمين للمقاومة الفلسطينية، وملاذاً لقادتها السياسيين والعسكريين، لتتحول اليوم – وفق مؤشرات عديدة – إلى طرف يتعرض لضغوط أمريكية مباشرة تسعى لإعادة صياغة موقفه جذرياً.
وفي هذا السياق، نقلت وكالة “رويترز” عن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد طالب ما وصفه بـ”النظام السوري الجديد”، والذي أشار إليه باسم “الشرع”، بالانخراط في اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية، إضافة إلى ترحيل من اعتبرهم “إرهابيين فلسطينيين” يقيمون على الأراضي السورية.
هذه الدعوة، التي صدرت في وقت دقيق تشهده المنطقة من حيث إعادة رسم التحالفات، تُعد تحولاً جوهرياً في بوصلة النظام السوري، وتكشف عن مساعٍ أمريكية لإدماج دمشق في ترتيبات إقليمية جديدة تحت المظلة الإسرائيلية.
صفقات في الظل
ما أثار المزيد من الجدل هو ما ورد عن استعداد النظام الجديد في دمشق لقبول استثمارات أمريكية في قطاعات استراتيجية كقطاعي النفط والغاز، مقابل وعود برفع العقوبات. المفارقة أن هذه التفاهمات المحتملة جاءت وسط أجواء خليجية، وتحديداً في الرياض، حيث بدا المشهد وكأنه انعكاس لتحالفات إقليمية تعيد إنتاج الشرق الأوسط وفق الرؤية الأمريكية – الإسرائيلية.
وإذا كان إطلاق اسم “الشرع” على القيادة السورية الجديدة يحمل طابعاً رمزياً يذكّر بمرحلة سياسية ماضية، فإن جوهر الرسالة يتمثل في تجاوز موقع سوريا التقليدي كـ”قلب للممانعة”، إلى شريك محتمل في ترتيبات أمنية واقتصادية تذيب القضية الفلسطينية ضمن مشروع إقليمي أوسع.
تساؤلات على الجولان… ومخاطر التآكل
التحول السوري المحتمل يفتح باب التساؤلات حول مستقبل الجولان المحتل، الذي ظل لعقود عنواناً للخطاب الرسمي السوري الرافض للتطبيع. ومع استمرار إسرائيل في توسيع مشاريعها الاستيطانية، ومع انسحاب عدد من الدول العربية من المواقف الصلبة تجاه الاحتلال، يبرز الخوف من أن تغدو مرتفعات الجولان ورقة مساومة لا أكثر، في مشهد تغيب عنه المقاومة وتُستحضر فيه التفاهمات الدولية على حساب السيادة والحقوق.
في الضفة المقابلة… صنعاء تصمد
في المقابل، تقف العاصمة اليمنية صنعاء على نقيض هذا المسار، إذ تواصل موقفها الداعم للقضية الفلسطينية على الرغم من الحصار الخانق، والضربات العسكرية، والانخراط في مواجهة مباشرة مع تحالفات دولية وإقليمية.
لم تتراجع صنعاء عن خطابها السياسي والعسكري المناهض لإسرائيل، وواصلت خطواتها التصعيدية ضد مصالحها في البحر الأحمر، وفي عمق الأراضي المحتلة، معتبرة أن نصرة فلسطين واجب أخلاقي وإنساني، وأن أي تهديد لن يحيدها عن ذلك المسار، مهما كلف الأمر.
تحولات تفرض إعادة تموضع
ما نراه اليوم هو مشهد عربي ينقسم بين عواصم تتماهى مع الرؤية الأمريكية وتدخل نفق التطبيع بخطى متسارعة، وأخرى تصرّ على مواصلة الدفاع عن القضايا الجوهرية للأمة، وفي مقدمتها فلسطين.
في هذا السياق، تبرز صنعاء كحالة استثنائية في خريطة متغيرة، بينما تطرح دمشق – في حال تأكد التحول في مواقفها – نموذجاً لثمن البقاء في الحكم عبر التنازل السياسي والاستراتيجي.
خاتمة: صراع على الهوية والموقف
إن التحولات الجارية في المنطقة لا يمكن فصلها عن الصراع الأكبر على هوية الشرق الأوسط، وعلى من يملك زمام قراره السياسي. في الوقت الذي تُدفع فيه بعض العواصم إلى اصطفافات تطبيعية، تقف أخرى على الضفة الأخرى، ترفض الابتزاز، وتدفع الأثمان من عزلتها ودماء أبنائها.
فهل تسير سوريا بالفعل نحو التطبيع لحسابات بقاء سياسية؟ وهل تبقى صنعاء على خط المواجهة رغم الكلفة الباهظة؟
أسئلة كبرى ستجيب عنها الأيام المقبلة، بينما ترسم التحالفات الإقليمية معالم مرحلة جديدة قد تكون الأخطر منذ عقود.