شبه الجزيرة نت | دولي
في تطور لافت يُعيد تعريف معادلة الحرب الحديثة، باتت الأسلحة اليمنية منخفضة الكلفة ترغم الولايات المتحدة وحلفاءها على استخدام قدرات دفاعية باهظة الثمن، وهو ما يشكل استنزافاً مستمراً للموارد الغربية ويضع استقرار التجارة الدولية تحت التهديد.
فالهجوم الذي نُفذ يوم الأحد قرب مطار “بن غوريون” الحيوي، وأدى إلى توقف حركة الطيران في المطار الذي يُعتبر البوابة الجوية الأولى لإسرائيل، سلط الضوء مجدداً على هشاشة الدفاعات الجوية الإسرائيلية، التي لم تتمكن من التصدي لصاروخ يمني بسيط نسبياً من حيث التكلفة، رغم أن تلك الدفاعات تقدر قيمتها بملايين الدولارات.
قوة غير متماثلة ترهق الخصم اقتصادياً
الاختلال بين كلفة الهجوم والدفاع بات ملمحاً مركزياً في المشهد العسكري المرتبط باليمن. فبينما تعتمد قوات صنعاء على صواريخ وطائرات مسيرة يتم تصنيعها محلياً بتكلفة محدودة، تضطر القوى الغربية إلى استخدام منظومات دفاعية عالية التكلفة مثل “باتريوت” و”ثاد”، أو نشر حاملات طائرات وطائرات استطلاع بملايين الدولارات.
بحسب ما أشار إليه خبراء عسكريون، يكفي صاروخ لا تتجاوز قيمته 20 ألف دولار لإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار من طراز “ريبر” تفوق كلفتها 30 مليون دولار. هذا التفاوت يشكّل ضغطاً اقتصادياً غير متوازن على الولايات المتحدة وشركائها، ويمنح صنعاء ميزة استراتيجية رغم فارق القدرات التقليدية.
الخبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، جوناثان سايه، يرى أن قدرة الحوثيين على إنتاج أسلحتهم محلياً تزيد من تعقيد المواجهة، مشيراً إلى أن توافر الخبرة والتقنيات داخل اليمن يسمح باستمرارية منظومة التسليح حتى مع تشديد الرقابة على الواردات.
الوجود العسكري باهظ التكلفة
وتزداد فواتير الدفاع الغربي بسبب الحاجة المستمرة للحفاظ على حضور عسكري دائم في المنطقة. عمليات الدوريات البحرية، وتشغيل الحاملات، والهجمات الجوية، كلها تشكّل عبئاً مالياً هائلاً، في حين أن الطرف الآخر لا يضطر لإنفاق سوى جزء بسيط من تلك المبالغ.
ومع استمرار هذه المعادلة، يرجّح مراقبون أن يطول أمد الصراع، لكن من دون توزيع عادل لتكلفته، إذ أن الثقل المالي يقع بالكامل على الجانب الأمريكي والغربي.
تداعيات بحرية واقتصادية متزايدة
لا تقتصر آثار الأزمة على الشق العسكري، بل تمتد لتضرب قلب التجارة العالمية. فقد أدى التهديد المتصاعد في البحر الأحمر إلى تراجع حركة الملاحة عبر الممر الحيوي بنسبة تجاوزت 50% منذ أواخر 2023، بحسب تقديرات خبراء في الشحن البحري.
نعوم ريدان، الباحث في معهد واشنطن، أكد أن عدداً متزايداً من السفن التجارية لم يعد يعبر البحر الأحمر، ويفضل الالتفاف عبر رأس الرجاء الصالح رغم المدة الإضافية والتكاليف المرتفعة. هذا التغيير ينعكس مباشرةً على أسعار الشحن والطاقة، ويطال المستهلكين في كل أنحاء العالم من دون أن يلحظوا ذلك مباشرةً.
أرباح من قلب الأزمة
في المقابل، استفادت بعض شركات الشحن الكبرى من هذه الأزمة، عبر رفع أسعار الخدمات. شركات مثل “ميرسك” و”CMA CGM” شهدت زيادة في إيراداتها نتيجة اضطرار السفن لاختيار مسارات أطول وأكثر كلفة.
وقد ارتفعت أسعار نقل النفط كذلك، مما تسبب في زيادات طفيفة بأسعار البرميل في السوق الأوروبي، ورفع تكلفة النقل على الصادرات والواردات عموماً.
خطر دائم ومفتوح
ورغم أن القطاع اللوجستي تكيف نسبياً، فإن الوضع ما زال هشاً. فحملات صنعاء البحرية تنفذ وفق مراحل، وقد تتخذ أشكالاً جديدة يصعب التنبؤ بها. هذا يعني أن الأزمة لم تصل إلى ذروتها بعد، وأن تداعياتها قد تتفاقم في حال استمرار تجاهل جذور الصراع وغياب الحلول السياسية.
يبدو أن أحد أهم دروس هذا الصراع هو أن السلاح الرخيص والابتكار غير المتماثل قد يهزم التفوق التكنولوجي إذا ما تم توظيفه ضمن استراتيجية تستنزف الخصم اقتصادياً ونفسياً.
المصادر: وكالات + بقش – شبه الجزيرة نت