شبه الجزبرة نت | عالمي
في وقت تتصاعد فيه التحديات الجيوسياسية، استضاف “لانكاستر هاوس” في لندن لقاءً رفيع المستوى جمع عدداً من السياسيين الأوروبيين لمناقشة مستقبل التعاون بين المملكة المتحدة وأوروبا، في أجواء عكست عمق العلاقات التاريخية بين الطرفين.
وفيما ناقش القادة في الطابق العلوي قضايا أمنية ودبلوماسية، بقيت الأجواء في الأسفل هادئة تحت حراسة ضباط وحدة الحماية الدبلوماسية في شرطة العاصمة البريطانية.
المبنى، الذي شهد في تاريخه لحظات بارزة منها عزف فريدريك شوبان للملكة فيكتوريا عام 1848، ولقاء توني بلير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2003، أصبح مرة أخرى مركزاً لصياغة مستقبل العلاقات الأوروبية البريطانية.
الاجتماع، الذي استضافه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، ناقش آخر مستجدات الحرب في أوكرانيا وخطوات تعزيز أمن القارة. كما أعلن عن قمة مرتقبة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في 19 مايو، هي الأولى من نوعها منذ خروج بريطانيا من الاتحاد.
وترى الحكومة البريطانية أن القمة تمثل لحظة مفصلية في مسار العلاقات مع أوروبا، في ظل توجه حكومة كير ستارمر العمالية، المنتخبة حديثاً، لإعادة بناء علاقة “طموحة ومنفتحة” مع شركاء بريطانيا الأوروبيين.
السفير الأوروبي لدى لندن، بيدرو سيرّانو، وصف القمة بأنها “ذروة الاتصالات رفيعة المستوى منذ انتخابات يوليو 2024″.
قمة مثيرة للجدل
بينما يرى الديمقراطيون الليبراليون في القمة “فرصة استراتيجية هائلة”، وصفها المحافظون بأنها “قمة استسلام”، وأعرب حزب “ريفرم يو كاي” عن خشيته من أن تؤدي إلى تنازلات تقوّض مكتسبات “بريكست”.
أما كير ستارمر، فيقدّم القمة باعتبارها تجسيداً لـ”البراغماتية الفعالة”، عبر التركيز على نتائج ملموسة في حياة المواطنين.
نحو شراكة أمنية جديدة
ملف الأمن والدفاع عاد بقوة إلى طاولة النقاش. فبعد تجاهله في اتفاق بريكست عام 2020، عاد الحديث الآن عن اتفاق أمني شامل بين لندن وبروكسل.
كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، صرّحت أن “رغم التوترات السابقة، نحن بحاجة للمضي قدماً بهذه الشراكة”.
لكن هذا التوجه لا يحظى بالإجماع. إذ يرى بعض المحافظين أن “الناتو وحده يكفي”، فيما يحذّر آخرون من الانخراط في “هيكل بيروقراطي عسكري جديد”. الحكومة البريطانية تردّ بأن الشراكة لن تُضعف الناتو، بل ستُكمّله بمجالات تشمل الأمن السيبراني، وأمن الطاقة، والهجرة.
رئيس مجموعة ADS الدفاعية البريطانية، كيفن كريفن، يرى أن الاتفاق قد يعود بمكاسب اقتصادية كبيرة لبريطانيا، مشيراً إلى برنامج SAFE الأوروبي الذي يتيح قروضاً ضخمة تصل إلى 150 مليار يورو، قد تستفيد منها الصناعات البريطانية.
التكامل الاقتصادي في الواجهة
القمة تتناول أيضاً مسألة الإجراءات الجمركية، خاصة تلك التي أثّرت على صادرات الأغذية بعد البريكست. تسعى لندن لتوقيع اتفاق يخفف من فحوصات المنتجات الزراعية والغذائية.
وزير شؤون مجلس الوزراء، نك توماس-سيموندز، أكّد أمام البرلمان أن هذه الخطوة مدرجة في البرنامج الانتخابي وتستهدف خفض تكاليف الغذاء.
شركات مثل “Creative Nature” التي تصدّر إلى دول عدة، اشتكت من العراقيل التجارية بعد البريكست. وقالت مديرة الشركة، جوليان بونان، إن موظفة اضطرت لحمل عينات غذائية معها يدوياً لتجنّب احتجاز الشحنة في الحدود.
وتضيف: “إذا نجح هذا الاتفاق، سيفتح آفاقاً جديدة لشركاتنا في السوق الأوروبية”.
بين الحذر والأمل
رغم تحسن التعاون الدفاعي بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، تبقى الأسئلة مطروحة حول ما إذا كانت بريطانيا ستستعيد موقعها كمشارك فعّال في صياغة سياسات القارة.
جيل رتر، خبيرة في مركز “المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة”، ترى أن الشراكة الأمنية الجديدة قد تفتح الباب أمام آليات تعاون أوسع في المستقبل.
وفي ظل تحولات دولية متسارعة، يبدو أن لندن وأوروبا تستعدان لفصل جديد من العلاقات، يتجاوز الانفصال إلى شراكة قائمة على المصالح المشتركة.